في خضم الأزمة العالمية المتصاعدة للصحة العقلية، حيث تتزايد المطالب بـ الرعاية النفسية بشكل مطرد، يأتي إعلان جامعة إيلون عن إطلاق برنامج الماجستير في الإرشاد النفسي السريري كحدث يبدو إيجابيًا للوهلة الأولى. لكن، كصحفي استقصائي، يجب أن نسأل: هل هذا مجرد سد لفجوة، أم أنه مناورة استراتيجية تخفي وراءها أجندات أعمق؟
الخبر الظاهر مقابل الحقيقة المخفية
الخبر بسيط: جامعة إيلون (Elon University) تزيد من عرضها التعليمي بإضافة برنامج العلوم الإنسانية متخصص في الإرشاد النفسي السريري. هذا يتماشى مع الاحتياجات المجتمعية. ولكن، لننظر إلى الصورة الأكبر. نحن نتحدث عن تضخم في عدد الخريجين المحتملين في سوق يعاني بالفعل من تشبع في بعض المناطق، ونقص حاد في التمويل والاعتراف المهني في مناطق أخرى. السؤال ليس: هل نحتاج إلى المزيد من المعالجين؟ بل: هل نحتاج إلى المزيد من المعالجين الذين يخدمون نموذجًا أكاديميًا محددًا؟
الفائزون الواضحون هم المؤسسة الأكاديمية، التي تستقطب رسومًا دراسية مرتفعة وتزيد من تصنيفها في مجالات العلوم الاجتماعية الناشئة. الخاسرون المحتملون هم الخريجون الجدد الذين سيواجهون سوق عمل لا يضمن لهم وظائف مستدامة إلا إذا تخصصوا في مجالات دقيقة أو عملوا في قطاعات غير ربحية ذات رواتب متدنية.
لماذا يهم هذا التحرك؟ تحليل أعمق
هذا التوسع ليس مجرد إضافة تخصص، بل هو استجابة مباشرة لـ التحول الثقافي الذي يركز بشكل متزايد على أهمية الصحة العقلية، وهو تحول دفعته جائحة كوفيد-19 والضغوط الاجتماعية الحديثة. الجامعات تستغل هذا الوعي المتزايد لتحويله إلى منتج تعليمي مربح. هذا يضع ضغطاً تنافسياً هائلاً على الكليات المحلية الأخرى لإثبات جدارتها في تقديم برامج مماثلة، مما قد يؤدي إلى تدهور جودة البرامج القائمة التي لا تملك الموارد الكافية للمنافسة.
القلق الحقيقي يكمن في أخلاقيات الممارسة. هل سيتم تدريب هؤلاء الطلاب على نماذج علاجية حديثة ومثبتة علميًا، أم سيتم التركيز على نماذج سريعة تلبي متطلبات الاعتماد الأكاديمي فقط؟ (يمكن الاطلاع على التحديات العالمية في التدريب السريري هنا: منظمة الصحة العالمية).
توقعات صادمة: ماذا سيحدث بعد ذلك؟
أتوقع أن نشهد في السنوات الثلاث القادمة موجة من برامج الماجستير المماثلة في الجامعات الخاصة الأخرى، مدفوعة بالطلب المرتفع. لكن، في غضون خمس سنوات، سيبدأ السوق في إظهار علامات التشبع، خاصة في المناطق الحضرية. سيضطر خريجو إيلون وغيرهم إلى البحث عن فرص عمل في المناطق الريفية أو في القطاع الحكومي، حيث يكون الطلب أعلى ولكن البيروقراطية أصعب. التنبؤ الأكثر جرأة هو: سنرى انخفاضًا في متوسط رواتب المعالجين المبتدئين بنسبة 10-15% بحلول عام 2027 ما لم تتدخل الحكومات بزيادة تمويل برامج الإرشاد المدعومة.
هذا التوسع هو سباق تسلح أكاديمي تحت غطاء الخدمة المجتمعية. (للمزيد عن ديناميكيات سوق العمل الأكاديمي: نيويورك تايمز).
الخلاصة: نقاط يجب ألا تغفلها
- الجامعة تستثمر في اتجاه اجتماعي صاعد لتحقيق مكاسب مالية.
- المنافسة ستزداد، مما يهدد جودة التدريب إذا لم تكن الموارد ضخمة.
- الخريجون سيواجهون سوق عمل مكتظًا في المراكز الرئيسية.
- هذا التحرك يعكس أزمة ثقة متزايدة في المؤسسات التقليدية للرعاية الصحية. (انظر تقارير حول رويترز عن الصحة النفسية).
إن تأسيس هذا البرنامج هو إقرار رسمي بأن الصحة العقلية أصبحت سلعة، والجامعات هي المورد الجديد. هل نحن مستعدون لنتائج هذا التجويع التجاري لقطاع حيوي؟ (دراسة عن التغيرات في العلوم السلوكية: Nature).