صمت المحيطات: عندما تصبح القمامة هي المتحكم في مناخ الأرض
في خضم المعركة المحتدمة حول تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، يركز العالم على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التقليدية، متجاهلاً المتسلل الصامت الذي يعيد كتابة القواعد: اللدائن الدقيقة (Microplastics). إنها ليست مجرد مشكلة نفايات؛ إنها كارثة بيولوجية وكيميائية تعبث بأحد أهم آليات تنظيم حرارة كوكبنا. الحقيقة التي لا يريد أحد سماعها هي أن فهمنا لدورة الكربون العالمية، وبالتالي قدرتنا على التنبؤ بالمستقبل المناخي، قد أصبح موضع شك كبير بفضل هذه الجزيئات البلاستيكية المتناهية الصغر.
التحليل العلمي الأخير يشير إلى أن هذه الجسيمات البلاستيكية، التي تتراكم في الأعماق، تؤثر على الكائنات الحية الدقيقة المسؤولة عن امتصاص الكربون ونقله إلى قاع المحيط (المضخة البيولوجية للكربون). عندما تتغذى هذه الكائنات على اللدائن، يتغير سلوكها، مما يعطل السلسلة الغذائية بأكملها. هذا يعني أن جزءاً كبيراً من الكربون الذي كنا نعتقد أنه مخزن بأمان في المحيطات قد لا يكون كذلك بالفعل. هذا تضليل علمي غير مقصود، ولكنه يخدم مصالح معينة.
الرابحون والخاسرون: من يستفيد من ضبابية الكربون؟
من المستفيد من إبقاء العلم في حالة ارتباك حول السعة الحقيقية للمحيطات لامتصاص الكربون؟ الإجابة ليست معقدة: المنتجون الكبار للانبعاثات. طالما بقي هناك هامش للشك العلمي حول مدى فعالية المحيطات كـ "بالوعة كربون"، يمكن للشركات والدول الكبرى المماطلة في تطبيق تخفيضات جذرية في الانبعاثات. إنهم يستغلون هذا "الضباب البلاستيكي" لشرعنة الوضع الراهن، مدعين أن النماذج المناخية تحتاج إلى "مراجعة شاملة". هذا ليس فشلاً علمياً فحسب، بل هو تكتيك تأخير استراتيجي.
الخاسر الأكبر هو الجمهور العام، الذي يُمنح إحساساً زائفاً بالأمان أو، على النقيض، إحباطاً يدفعه إلى اليأس. إننا نركز على إطفاء حريق صغير بينما ينساب البلاستيك ليغير هندسة غرفة الإطفاء بأكملها. (للاطلاع على تأثيرات البلاستيك على الحياة البحرية، راجع دراسات موثوقة مثل تلك التي تنشرها منظمة حماية البيئة الأوروبية).
لماذا يمثل هذا تهديداً وجودياً أكبر من مجرد تلوث؟
إن دورة الكربون هي قلب استقرار المناخ على مدى آلاف السنين. عندما نفقد القدرة على قياس تدفق الكربون بدقة، فإننا نفقد قدرتنا على وضع أهداف مناخية واقعية. تخيل أنك تحاول موازنة ميزانية ضخمة، لكنك لا تعرف كمية الأموال التي يمتصها حساب سري. اللدائن الدقيقة هي هذا الحساب السري.
هذا يرفع أهمية قضية تلوث المحيطات من مجرد مشكلة بيئية إلى قضية أمن مناخي عالمي. يجب على المنظمات الدولية، مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، أن تخصص موارد هائلة لإعادة تقييم النماذج بناءً على هذه المعطيات الجديدة. تجاهل هذا يعني المجازفة بتجاوز نقاط التحول المناخية (Tipping Points) دون حتى أن نراها قادمة. (يمكن مراجعة أحدث تقارير IPCC لفهم حساسية النماذج المناخية).
توقعات المستقبل: ماذا سيحدث بعد ذلك؟
نتوقع تحولاً جذرياً في الأجندة العالمية خلال السنوات الثلاث القادمة. لن يكون الحديث مقتصراً على خفض الانبعاثات، بل سيتجه نحو **"إدارة التفاعلات البلاستيكية-الكربونية"**. الدول التي تستثمر حالياً في تكنولوجيا التقاط الكربون المباشر من الهواء (DAC) قد تجد أن هذه التقنيات أقل فعالية مما كان متوقعاً إذا استمرت اللدائن في تعطيل الوظائف الطبيعية للمحيطات. التنبؤ الأكثر جرأة هو: سنشهد تحولاً في التركيز من خفض الكربون إلى محاولة "تنظيف" البيولوجيا البحرية من البلاستيك، ليس فقط من أجل الحياة البحرية، ولكن من أجل استقرار المناخ نفسه. هذا سيعني تحالفات اقتصادية غير متوقعة بين شركات التكنولوجيا الحيوية وشركات إدارة النفايات.
هذا التحول سيخلق سوقاً جديدة ضخمة: سوق "إعادة معايرة المحيطات". الدول التي تسيطر على هذه التقنيات ستكون هي القوة العظمى المناخية الجديدة. (يمكن الرجوع إلى تحليلات معهد بيئية رائد حول الاقتصاد الأزرق المستقبلي).