الخطاف: هل التدريس المشترك هو طوق النجاة للتعليم أم مجرد وهم؟
في خضم أزمة الموارد وتزايد أعداد الطلاب في الجامعات العالمية، يبرز مفهوم التدريس الجماعي (Team Teaching) كحل سحري. تتحدث الأوساط الأكاديمية عن مزايا التنوع المعرفي وتكامل الخبرات. لكن، كصحفي استقصائي، يجب أن نسأل: من المستفيد الحقيقي من هذا النموذج الجديد في التعلم؟ وهل هو تطور حقيقي في استراتيجيات التدريس أم مجرد تكتيك مالي لتغطية عجز الميزانيات؟
اللحم: تفكيك أسطورة التدريس المشترك
النموذج التقليدي يضع محاضرًا واحدًا مسؤولاً عن فصل دراسي. أما التدريس الجماعي، فيجمع اثنين أو أكثر من أعضاء هيئة التدريس لتقديم محتوى واحد. النوايا المعلنة إيجابية: دمج تخصصات متقاطعة، توفير تغذية راجعة أسرع، وكسر رتابة المحاضرات التقليدية. هذا يتماشى مع حاجة السوق الحديثة لمتخصصين متعددي الأبعاد، وهو ما يركز عليه الاهتمام بـ التعليم العالي.
لكن الحقيقة التي يتم التغاضي عنها هي أن هذا النموذج غالبًا ما يتم فرضه في أقسام تعاني من تجميد التوظيف أو تقليص عدد الأساتذة. فبدلاً من توظيف أستاذين متخصصين في مجالات متكاملة (مثل الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات)، يتم الضغط على أستاذين حاليين لتقاسم عبء تدريس مقرر كان يشرف عليه أستاذ واحد سابقًا. هذا ليس ابتكارًا تربويًا، بل هو إعادة هيكلة قسرية للموارد البشرية.
لماذا يهم هذا؟ التحليل العميق: الخاسرون والمكاسب الخفية
الفائزون الظاهرون هم الطلاب الذين يحصلون على منظورين مختلفين. لكن الخاسر الحقيقي هو الأستاذ المبتدئ أو المستقل. التدريس الجماعي يخلق مساحة نادرة لـ الخبرة المشتركة، ولكنه يقلل أيضًا من الفرص الفردية للتدريس المستقل، مما يضعف القوة التفاوضية للأكاديميين الشباب. كما أن هناك ضغطًا غير مرئي لإخفاء الخلافات المنهجية بين المعلمين أمام الطلاب، مما يؤدي إلى تقديم محتوى مُصفى وغير نقدي بشكل كامل.
على المستوى المؤسسي، يخدم هذا النموذج هدفين: خفض تكلفة الساعات التدريسية (Teaching Load) لكل فرد، وتقديم صورة براقة للجامعة بأنها 'مبتكرة'. انظر إلى كيفية تمويل الجامعات؛ الابتعاد عن التوظيف الدائم لصالح نماذج مرنة مثل التدريس المشترك هو استراتيجية مالية واضحة، تتماشى مع توجهات الشركات الكبرى نحو خفض التكاليف الثابتة. هذا يغير جوهر العلاقة بين الأستاذ والمؤسسة، ويحول التعليم إلى سلعة يتم تقديمها بأقل تكلفة تشغيلية ممكنة. يمكن قراءة المزيد عن التحديات المالية في التعليم العالي عبر تقارير موثوقة مثل تلك التي تنشرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
التنبؤ: أين نتجه من هنا؟
في السنوات الخمس المقبلة، سنتجاوز مرحلة "التجريب" في التدريس الجماعي. التنبؤ الجريء هو أننا سنشهد ظهور "فرق تدريس آلية" مدعومة بالذكاء الاصطناعي. لن يكون التحدي هو دمج أستاذين بشريين، بل دمج أستاذ بشري واحد مع نظام تقييم وتدريس آلي متقدم. المؤسسات التي تفشل في دمج التكنولوجيا لتكون هي الشريك الثاني في التدريس ستُعتبر متخلفة. هذا سيضع ضغطًا هائلاً على جودة التفاعل البشري، وستصبح القدرة على "التدريس بفعالية مع الآلة" هي المهارة الأكاديمية الأعلى أجرًا، مما يمثل تحولًا جذريًا في أخلاقيات المهنة التعليمية. شاهد كيف أثرت التكنولوجيا على المهن الأخرى للتعرف على هذا النمط (يمكن الاطلاع على تحليلات رويترز حول التحول الرقمي في القطاعات المهنية).
الخلاصة: النقاط الجوهرية (TL;DR)
- التدريس الجماعي غالباً ما يكون حلاً لضغوط الميزانية وليس ابتكاراً تربوياً خالصاً.
- يقلل من فرص التوظيف الفردي ويضع ضغطاً على التوافق المنهجي بين الأساتذة.
- المؤسسات تستخدمه كأداة لتقديم صورة عصرية دون استثمار حقيقي في زيادة الكادر.
- المستقبل يتجه نحو دمج الذكاء الاصطناعي كـ"شريك تدريس" إجباري.