الصحة النفسية لكبار السن: الحقيقة الصادمة التي تتجاهلها منظمة الصحة العالمية
في خضم الضجيج العالمي حول الصحة النفسية، يبرز ملف كبار السن كأكبر تناقض أخلاقي وإحصائي في عصرنا. الجميع يتحدث عن القلق والاكتئاب بين الشباب، ولكن من يرفع صوته حقاً من أجل الشيخوخة الصحية؟ منظمة الصحة العالمية (WHO) تضع النقاط على الحروف، لكنها تخفق في تسليط الضوء على المتضرر الحقيقي: مجتمعاتنا التي تستعد لـ 'الشيخوخة الكبرى' دون استعداد نفسي حقيقي.
الخاسرون الحقيقيون: شبح الوحدة وتآكل الهوية
التحليل السطحي يركز على ارتفاع معدلات الاكتئاب. لكن التحليل العميق يكشف أن المشكلة ليست مجرد 'كيمياء دماغية'. إنها أزمة هوية. عندما يتقاعد الفرد، يفقد شبكته الاجتماعية المهنية، وغالباً ما يواجه زوجاً أو زوجة مريضة، أو يفقد الشريك تماماً. هذا التحول المفاجئ يولد فراغاً وجودياً لا يكفي 'العلاج بالكلام' لسده. **الخاسر الأكبر هو المجتمع الذي يعتبر كبار السن عبئاً بدلاً من كنز للمعرفة.**
البيانات تشير إلى أن العزلة الاجتماعية هي عامل خطر للموت المبكر يفوق التدخين. ومع ذلك، يتم التعامل مع الصحة النفسية في هذه الفئة العمرية كـ 'قضية خاصة' وليست 'أزمة بنية تحتية'. من يملك المال والاستقرار الاجتماعي ينجو؛ أما الغالبية العظمى، فيواجهون مصيراً منسياً في زوايا المنازل. هذا هو الفشل الهيكلي الذي لا تتحدث عنه التقارير الرسمية بوضوح.
من المستفيد من هذا الإهمال؟ الاقتصاد الخفي
هنا يكمن الجزء الذي لا يريد أحد مناقشته: **من يربح من تهميش هذه الفئة؟** الإجابة بسيطة: قطاع الرعاية الصحية الذي يركز على الأمراض الجسدية المزمنة، وشركات الأدوية التي تبيع مضادات الاكتئاب كحل سريع بدلاً من الاستثمار في برامج إعادة الاندماج المجتمعي. إنها حلقة مفرغة: نهمشهم نفسياً، فيمرضون جسدياً، فنحقق أرباحاً من علاج الأمراض الجسدية الناتجة عن العزلة.
إن التركيز الحالي على 'الشيخوخة النشطة' هو مجرد تجميل للواقع. النشاط لا يعني شيئاً إذا كان الشخص يشعر بأنه غير مرغوب فيه أو غير منتج. يجب أن نغير تعريفنا للإنتاجية بعد سن الستين. للمزيد حول تحديات الشيخوخة الصحية عالمياً، يمكن الرجوع إلى تقارير منظمة الصحة العالمية حول الشيخوخة والتقاعد [https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/ageing-and-health].
تنبؤات المستقبل: 'ثورة الصامتون'
ماذا يحدث بعد ذلك؟ **أتوقع أن نشهد في العقد القادم 'تململاً مجتمعياً' من قبل كبار السن أنفسهم.** مع زيادة الوعي الرقمي، سيبدأ هذا الجيل، الذي يمتلك وقتاً وموارد (في بعض الأحيان)، في تنظيم حركات ضغط اجتماعية وسياسية. لن يطالبوا فقط بالرعاية الصحية، بل سيطالبون بـ 'الحق في الظهور' و'إعادة التقييم المجتمعي'. ستظهر منصات تواصل اجتماعي مخصصة بالكامل لعكس السرد السلبي للشيخوخة، مما يشكل تحدياً مباشراً للشركات التي تستهدف الشباب فقط.
إذا لم تتبنَ الحكومات استراتيجيات وطنية لدمج كبار السن في الاقتصاد المعرفي بدلاً من إقصائهم، فإننا نخاطر بإنشاء كتلة سكانية ضخمة تشعر بالمرارة والتخلي، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات العامة. إن معالجة الصحة النفسية لكبار السن ليست عملاً خيرياً، بل هي استثمار استراتيجي في استقرار الأمة. انظروا إلى الأبحاث حول تأثير الوحدة على الصحة العامة [https://www.reuters.com/business/healthcare-pharmaceuticals/loneliness-major-health-risk-us-surgeon-general-says-2023-05-10/].
الخلاصة: نقاط لا يمكن تجاهلها
- الإهمال النفسي لكبار السن هو فشل بنيوي وليس فردياً.
- الوحدة تقتل أسرع من العديد من الأمراض المزمنة المعروفة.
- هناك حافز اقتصادي خفي يدفع نحو إبقاء هذه الفئة مهمشة.
- المستقبل يحمل ضغطاً مجتمعياً متزايداً من جيل 'الشيخوخة الكبرى' للمطالبة بالاعتراف.
إن التعامل مع الصحة النفسية لكبار السن يتطلب إعادة هيكلة كاملة للمفاهيم الاجتماعية حول التقاعد والمساهمة المجتمعية. هذا هو التحدي الأكبر لجيلنا القادم، ويجب أن نبدأ التحليل من الزاوية الأكثر قسوة وواقعية.