بالميرا: هل السياحة الثقافية قناع لإعادة تشكيل النفوذ أم مجرد حلم هش بعد 13 عاماً من الدمار؟
بعد ثلاثة عشر عاماً من الصراع الذي مزق سوريا، تعود أصوات المعاول والرافعات لتطغى على صمت الأنقاض في مدينة تدمر (بالميرا) التاريخية. الحديث الرسمي يدور حول 'إحياء السياحة الثقافية والتراثية'، وهو هدف نبيل ظاهرياً. لكن، تحت بريق الترميم، تكمن أسئلة أكثر إلحاحاً حول السياحة في سوريا ومستقبل التراث العالمي. من يمول هذا الإنقاذ؟ والأهم من ذلك، لمن تعود هذه المدينة الأثرية في نهاية المطاف؟
الحقيقة غير المعلنة: من يمتلك حق ترميم التاريخ؟
الرواية السائدة هي أن المجتمع الدولي، أو الحكومة السورية، يسعى لاستعادة رمز حضاري ضائع. لكن التحليل يكشف أن هذا المشروع ليس مجرد عمل خيري أثري. إنه صراع نفوذ جيوسياسي خفي. عندما نتحدث عن إعادة إعمار تدمر، فإننا نتحدث عن تأمين موطئ قدم اقتصادي وثقافي طويل الأمد في قلب المنطقة.
الأطراف التي تسيطر فعلياً على عمليات الترميم وإدارة تدفقات السياح المستقبلية هي التي سترسم الخريطة الاقتصادية للمنطقة. هل ستكون هذه السياحة خاضعة للمعايير الدولية لليونسكو، أم أنها ستكون سياحة 'مُسيّسة' تخدم أجندات معينة؟ الحقيقة هي أن أي استثمار كبير في البنية التحتية السياحية الحساسة مثل تدمر هو استثمار في الولاء السياسي المستقبلي للمنطقة. **الخاسر الأكبر** هو مفهوم الحياد الثقافي؛ فالتاريخ أصبح سلعة قابلة للتسويق تحت شروط الجهة المسيطرة حالياً.
لماذا يهم هذا حقاً؟ السياحة كأداة قوة ناعمة
ليست تدمر مجرد حجارة قديمة؛ إنها بوابة عبور استراتيجية. إن إعادة فتحها للسياحة، وخاصة السياحة الثقافية، هي محاولة لإعادة دمج سوريا في المشهد العالمي، لكن بشروط جديدة. هذا يمثل تحولاً اقتصادياً ضخماً. السياحة تجلب العملة الصعبة، والاعتراف الدولي، والأهم من ذلك، تطبيع الوضع القائم.
لقد دمر تنظيم داعش جزءاً كبيراً من المدينة، والآن يتم إعادة بنائها. لكن الترميم ليس محايداً. كل حجر يُعاد وضعه هو قرار يحمل بصمة سياسية. إذا لم تكن هناك شفافية مطلقة حول مصادر التمويل والشركات المشرفة على الترميم (التي غالباً ما ترتبط بدول ذات مصالح إقليمية)، فإننا نشهد عملية 'تجميل' للواقع أكثر من كونها حماية للتراث. إنها محاولة لاستبدال صورة الدمار بصورة الاستقرار الزائف لجذب رؤوس الأموال الأجنبية الحذرة.
توقعات صارمة: ما الذي سيحدث بعد عامين؟
أتوقع أننا سنشهد تدفقاً محدوداً جداً للسياح في السنوات الثلاث المقبلة، يقتصر بشكل أساسي على مجموعات 'مُراقبة' ومستثمرين أثرياء، وليس السياحة الجماهيرية التي عرفتها تدمر سابقاً. **التنبؤ الجريء:** لن تعود تدمر إلى سابق عهدها كمركز سياحي دولي واسع النطاق قبل أن يتم حل القضايا الجيوسياسية العالقة في سوريا بشكل جذري. أي محاولة للقفز فوق هذه القضايا عبر 'السياحة الثقافية' ستكون مجرد فقاعة مؤقتة. ستواجه المنطقة تحديات أمنية لوجستية هائلة، ولن يغامر التأمين الدولي بتغطية الرحلات واسعة النطاق في ظل الوضع الحالي.
المستفيدون الفوريون هم مقاولات إعادة الإعمار المحلية، وليس بالضرورة سكان تدمر أنفسهم الذين قد يجدون أنفسهم في وظائف هامشية ضمن اقتصاد سياحي مركزي ومُسيطر عليه. (للمزيد حول تحديات الترميم في مناطق النزاع، يمكن الاطلاع على تحليلات اليونسكو حول مواقع التراث المهدد).
النقاط المفتاحية (TL;DR)
- إحياء تدمر هو صراع نفوذ جيوسياسي مقنّع بالترميم الثقافي.
- الشفافية حول جهات التمويل هي المقياس الحقيقي لـ'استقلالية' المشروع.
- السياحة لن تعود جماهيرية قبل تسوية الصراعات السياسية الأساسية في المنطقة.
- المستفيدون الأوائل هم شركات إعادة الإعمار وليس بالضرورة المجتمع المحلي.