هل العافية (Wellness) هي حقاً سعي نبيل نحو حياة أفضل، أم أنها مجرد مصيدة استهلاكية فاخرة؟ بينما تتضخم أرقام صناعة العافية لتتجاوز تريليونات الدولارات عالمياً، وتتصدر قوائم الإحصائيات الصحية، حان الوقت لخلع النظارات الوردية. نحن لا نتحدث هنا عن ممارسة الرياضة أو تناول الخضروات؛ نحن نتحدث عن سوق ضخم يزدهر على قلقنا الوجودي.
السر المكشوف: العافية كسلعة وليست كقيمة
البيانات الصادرة عن منصات مثل ستاتيستا تظهر نمواً صاروخياً. لكن التحليل الحقيقي يكمن في كسر هذه الأرقام. من المستفيد الحقيقي من هذا الانفجار؟ ليس المستهلك بالضرورة. المستفيدون هم العلامات التجارية التي نجحت في تسويق “القلق” كمنتج قابل للشراء. الكلمة المفتاحية هنا هي “التحسين الذاتي المفرط” (Optimized Self).
التحليل العميق يكشف أن قطاعات مثل “الجمال الواعي” و”الأطعمة الفائقة” (Superfoods) هي في الواقع محركات التضخم. إنها تخلق حاجة حيث لم تكن موجودة. إذا لم تشترِ هذا المكمل الغذائي الباهظ الثمن أو لا تشترك في تطبيق التأمل الشهري، فأنت، ضمنياً، تفشل في “رعاية نفسك”. هذا هو التلاعب النفسي الذي يغذي سوق العافية.
لماذا يهم هذا التحليل؟ الاقتصاد النفسي للقلق
صناعة العافية تزدهر في المجتمعات الأكثر رفاهية والأكثر إجهاداً. عندما تصبح الحياة الحديثة سريعة جداً، يصبح “التوقف والتنفس” (وهو مجاني) سلعة مدفوعة الثمن. هذا يولد فجوة طبقية واضحة. العافية تتحول من مفهوم شامل إلى امتياز للنخبة القادرة على تحمل تكلفة “السكينة المشتراة”.
من الناحية الاقتصادية، هذه الصناعة هي دليل على تحول الإنفاق من الضروريات الأساسية إلى الرفاهيات النفسية. قارن هذا بالإنفاق على الرعاية الصحية الأولية؛ ستجد أن الاستثمار في “الوقاية المبالغ فيها” يطغى على معالجة المشاكل الصحية الحقيقية التي تتطلب تدخلاً حكومياً أو تأميناً شاملاً. (يمكنك مراجعة أحدث التقارير حول الإنفاق العالمي على الصحة عبر رويترز).
التنبؤ: الانهيار أو التوحيد؟
ماذا يحدث لاحقاً؟ التنبؤ الأكثر منطقية هو “تصحيح العافية”. السوق مشبع بالادعاءات الزائفة. سيحدث تصفية حتمية. العلامات التجارية التي لا تستطيع إثبات فعاليتها العلمية (حتى لو كانت زائفة) ستنهار. ما سيتبقى هو دمج حقيقي لبعض الممارسات الصحية (مثل اليقظة الذهنية) في النظم الحكومية والشركات الكبرى كجزء من حزم المزايا، وليس كمنتجات استهلاكية منفصلة. سيصبح التركيز على الصحة الشاملة أكثر جدية وأقل تسويقاً. (للمزيد عن مستقبل الرعاية الصحية، انظر تحليلات نيويورك تايمز).
الشركات التي ستنجو هي تلك التي تدمج التكنولوجيا الصحية (HealthTech) ببيانات مثبتة، مبتعدة عن “طاقة الأحجار الكريمة” و “الديتوكس الكاذب”. هذا التحول سيجعل السوق أقل ربحية للشركات الصغيرة، ولكنه أكثر شرعية على المدى الطويل.
في النهاية، الحقيقة المرة هي أن أفضل استثمار في العافية لا يزال هو النوم الجيد، والروابط الاجتماعية القوية، والابتعاد عن الشاشات (وهي أشياء لا يمكن شراؤها بسهولة). هذا هو الجزء الذي تتجاهله الإحصائيات الكبيرة.
لإلقاء نظرة على المنهجيات العلمية في تقييم الصحة، يمكن الاطلاع على أبحاث منظمة الصحة العالمية.