**وهم الكفاءة: لماذا تدمير الوظائف سيقتل ابتكارك قبل أن يضاعفه؟ الحقيقة التي يخفيها الرؤساء التنفيذيون.**
في خضم طفرة الذكاء الاصطناعي، يرتفع صوت واحد يتردد في قاعات مجالس الإدارة: **الكفاءة** (Productivity). التقارير تتحدث عن تسريح جماعي، يقدر بـ 1.1 مليون وظيفة، كوسيلة لتحقيق قفزة نوعية في الأداء. لكن هل هذا هو السباق نحو المستقبل، أم أنه مجرد عملية تقليم جائرة تهدف إلى إرضاء وول ستريت على المدى القصير؟ الحقيقة التي لا يريد أحد الاعتراف بها هي أن هذا التوجه قد يكون الوصفة المثالية لقتل الابتكار وتجميد النمو الحقيقي.
**التحليل: من الرابح الحقيقي في معركة الإنتاجية؟**
الفرضية السائدة هي أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل المهام المتكررة، مما يحرر الموظفين للقيام بمهام ذات قيمة أعلى. نظرياً، هذا صحيح. عملياً، الشركات لا تستبدل المهام، بل تستبدل العقول. عندما يتم التخلص من 1.1 مليون موظف، لا يتم فقط تقليل الأجور، بل يتم إزالة طبقة كاملة من الخبرة الضمنية والمعرفة المؤسسية غير الموثقة. هذا هو **السر المخفي**: الخبرة البشرية ليست مجرد بيانات يمكن خوارزميتها.
الرابحون الفوريون هم المساهمون الذين يرون انخفاضاً في تكاليف التشغيل وزيادة مصطنعة في هامش الربح. الخاسرون هم الابتكار طويل الأمد. الشركات التي تركز على خفض التكاليف بدلاً من إعادة تشكيل العمليات حول القدرات الجديدة للذكاء الاصطناعي ستواجه ما نسميه **"الركود المعرفي"**. إنهم يستبدلون الموظف الذي قد يفكر في تحسين العملية ببرنامج يقوم بتنفيذ العملية القديمة بكفاءة أكبر. هذا ليس توسعاً (Scaling)، بل هو تجميد للوضع الراهن.
للتذكير، مفهوم **الإنتاجية** (Productivity) لا يعني فقط فعل المزيد بنفس الموارد؛ بل يعني خلق قيمة جديدة. انظر إلى كيف غيّر الإنترنت نماذج الأعمال؛ لم يكن الأمر مجرد أتمتة للبريد الورقي. (يمكنك مراجعة تأثير التحول الرقمي على الاقتصاد العالمي عبر تقارير موثوقة مثل تلك التي تنشرها رويترز).
**لماذا هذا النهج هو نقيض التوسع الحقيقي؟**
الشركات التي تنجح في تبني التكنولوجيا هي تلك التي تستخدم الذكاء الاصطناعي كـ **مُضاعِف للقوة البشرية**، وليس كـ **بديل شامل**. عندما يتم قطع الأيدي العاملة، يقع العبء المتبقي على عدد أقل من الموظفين، الذين يتحولون من مُبتكرين إلى مُشغّلين منهكين للأنظمة الجديدة. هذا يؤدي إلى إرهاق وظيفي (Burnout) وزيادة في الأخطاء الحرجة، لأن الحكمة البشرية التي كانت تعمل كـ "صمام أمان" قد اختفت. هذا التكتيك قصير النظر يتجاهل أن النمو الحقيقي يتطلب استكشافاً، والمستكشفون هم البشر.
**توقعات المستقبل: "الجمود التكنولوجي الوشيك"**
نتوقع أن نشهد في غضون 18 شهراً موجة ثانية من التخفيضات، لكن هذه المرة، لن تكون في الوظائف الإدارية أو الكتابية، بل في وظائف **الذكاء الاصطناعي نفسه**. عندما تكتشف الشركات أن أدواتها الجديدة لا تحقق العوائد الموعودة بسبب نقص المدخلات البشرية اللازمة لتوجيهها وتدقيقها، سيبدأون في إعادة تقييم استراتيجياتهم. الشركات التي نجحت ستكون تلك التي احتفظت بـ "المهندسين المعرفيين" ودربتهم على العمل مع الذكاء الاصطناعي، بدلاً من طردهم.
الشركات التي تتبع نموذج "التسريح أولاً" ستعاني من **الجمود التكنولوجي الوشيك**؛ حيث يصبح الذكاء الاصطناعي مجرد أداة باهظة الثمن تنفذ مهام روتينية دون قدرة على التطور أو التكيف مع الأسواق المتغيرة. هذا ليس مستقبل التوسع (Scaling)، بل هو مستقبل التراجع المقنع.
**الخلاصة: إن لم تكن تبني، فأنت تهدم**
إن التركيز المفرط على الكفاءة عبر خفض الأجور هو إشارة ضعف، وليس قوة. الشركات الرائدة يجب أن تركز على **الإنتاجية** (Productivity) كدالة للابتكار المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وليس كدالة لتقليص النفقات. التكنولوجيا يجب أن تخدم الرؤية، لا أن تكون هي الرؤية نفسها. (لتعميق فهمك لمفاهيم النمو الاقتصادي، يمكن الرجوع إلى تحليلات جامعة هارفارد للأعمال).