الحقيقة المرة: من يربح حقاً من ثورة البلوك تشين في المحاسبة المالية؟ (تحليل صادم)

الخطاف: هل نحن أمام ثورة أم مجرد تجميل للوضع الراهن؟

تتحدث الأوساط المالية بضجيج حول **تبني تقنية البلوك تشين** في إعداد التقارير المالية، واعدين بعصر من الشفافية المطلقة والثقة غير المحدودة. لكن، دعونا نضع جانباً الشعارات الرنانة. السؤال الحقيقي الذي يتهرب منه الجميع هو: من المستفيد الأكبر من هذا التحول الجذري في **سجلات المحاسبة**؟ هل هي الشركات الصغيرة، أم العمالقة الذين يسعون لتعزيز سلطتهم على البيانات؟ إن الحديث عن 'اللامركزية' يبدو ساذجاً عندما ننظر إلى من يملك القدرة على بناء وإدارة هذه الشبكات الضخمة.

اللحم: ما وراء 'الشفافية الموعودة'

تشير الدراسات الحديثة إلى أن العوامل الدافعة لتبني **سلسلة الكتل (Blockchain)** في القطاع المالي ليست مجرد رغبة في مكافحة الاحتيال، بل هي مزيج معقد من الحاجة إلى **الامتثال التنظيمي**، وخفض تكاليف التدقيق، وتحسين سرعة تسوية المعاملات. هذه هي العوامل المعلنة. أما الحقيقة غير المعلنة، فهي أن الكيانات الكبرى (البنوك الاستثمارية وشركات التكنولوجيا المالية العملاقة) هي التي تستثمر بكثافة في تطوير هذه الحلول الخاصة (Private Blockchains). هذا يعني أننا قد ننتقل من نظام مركزي تسيطر عليه جهات تدقيق محدودة، إلى نظام 'شبه لامركزي' تسيطر عليه منصات تكنولوجية مملوكة لعدد قليل من اللاعبين المهيمنين. هذا ليس تحريراً للبيانات، بل هو إعادة هيكلة لمركزية السيطرة. إن **تكنولوجيا البلوك تشين**، في سياق التقارير المالية الحالية، غالباً ما تخدم هدفين رئيسيين: تقليل التدقيق البشري (مما يقلل التكاليف) وزيادة سرعة وصول المعلومات المعتمدة إلى 'الدوائر العليا' قبل أن تصل إلى العامة بشكلها الخام. (يمكن الاطلاع على التحديات التقنية في هذا المجال عبر مصادر موثوقة مثل [ويكيبيديا عن البلوك تشين](https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D9%84%D9%84)).

لماذا يهم هذا التحليل؟ (الخاسرون الحقيقيون)

الخاسر الأكبر في هذه المعادلة هو 'المحاسب التقليدي' الذي يعتمد على التفسير البشري للبيانات، والشركات الصغيرة التي لا تملك الموارد لتطبيق بروتوكولات البلوك تشين المعقدة والمكلفة. بينما يروجون للشفافية، فإنهم في الواقع يرفعون حاجز الدخول التكنولوجي. الشركات التي تتبنى هذه التقنية مبكراً ستحصل على ميزة تنافسية هائلة في سرعة إثبات الجدارة الائتمانية والامتثال، مما يخنق المنافسة الأقل تطوراً تكنولوجياً. هذا ليس ابتكاراً ديمقراطياً؛ إنه سلاح رأسمالي جديد.

التنبؤ: ماذا يحدث لاحقاً؟

في غضون خمس سنوات، لن نتحدث عن 'هل' سيتم تبني البلوك تشين، بل عن 'أي' منصة بلوك تشين سيتم اعتمادها كمعيار عالمي (De Facto Standard) من قبل المنظمات الدولية مثل مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB). أتوقع أن نرى تحالفات ضخمة بين شركات التدقيق الكبرى (Big Four) ومطوري قواعد البيانات الضخمة لإنشاء 'سجلات محاسبية مشتركة' محصورة، حيث تكون البيانات قابلة للتحقق (Verifiable) ولكنها ليست بالضرورة مفتوحة للجميع (Transparent). ستكون هذه السجلات هي المعيار الذهبي الجديد، وستصبح الشركات التي لا تستخدمها معزولة مالياً.

خلاصة سريعة (TL;DR)

* الدافع الحقيقي لتبني البلوك تشين هو خفض تكاليف التدقيق والامتثال للكيانات الكبرى. * التحول قد يؤدي إلى 'مركزية تكنولوجية جديدة' تسيطر عليها منصات خاصة. * الشركات الصغيرة ستواجه تحديات هائلة في التكيف مع المعايير التكنولوجية الجديدة. * التركيز سينتقل من 'ماذا يوجد في التقرير' إلى 'كيف تم التحقق من صحة البيانات عبر الشبكة المعتمدة'.